كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَالْفَرْقُ بَيْنَ مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ، وَبَيْنَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ وُجُوهِ التَّخْيِيلَاتِ، أَنَّ مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ هِيَ عَلَى حَقَائِقِهَا وَبَوَاطِنِهَا كَظَهَائِرِهَا، وَكُلَّمَا تَأَمَّلْتَهَا ازْدَدْتَ بَصِيرَةً فِي صِحَّتِهَا، وَلَوْ جَهِدَ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عَلَى مُضَاهَاتِهَا وَمُقَابَلَتِهَا بِأَمْثَالِهَا ظَهَرَ عَجْزُهُمْ، وَمَخَارِيقُ السَّحَرَةِ وَتَخْيِيلَاتُهُمْ إِنَّمَا هِيَ ضَرْبٌ مِنَ الْحِيلَةِ وَالتَّلَطُّفِ؛ لِإِظْهَارِ أُمُورٍ لَا حَقِيقَةَ لَهَا، وَمَا يَظْهَرُ مِنْهَا عَلَى غَيْرِ حَقِيقَتِهَا، يُعْرَفُ ذَلِكَ بِالتَّأَمُّلِ وَالْبَحْثِ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَتَعَلَّمَ ذَلِكَ بَلَغَ فِيهِ مَبْلَغَ غَيْرِهِ، وَيَأْتِي بِمِثْلِ مَا أَظْهَرَهُ سَوَاءً اهـ.
هَذَا جُلُّ مَا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ الْجَصَّاصُ فِي مَعْنَى السِّحْرِ وَحَقِيقَتِهِ، وَعَقَدَ بَعْدَهُ بَابًا فِي ذِكْرِ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ فِيهِ، وَمَا تَضَمَّنَتْهُ الْآيَةُ مِنْ حُكْمِهِ، وَمَا يَجْرِي عَلَى مُدَّعِي ذَلِكَ مِنَ الْعُقُوبَاتِ. وَمِنْهَا الْقَتْلُ كُفْرًا فِي بَعْضِ أَنْوَاعِهِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلشِّرْكِ وَالْمُسْتَلْزِمَةِ لِلرَّيْبِ فِي مُعْجِزَاتِ الرُّسُلِ، وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْعُلَمَاءِ يُثْبِتُونَ مَا أَنْكَرَهُ مِنْ تَأْثِيرِ الْجِنِّ، وَاسْتِخْدَامِ بَعْضِ النَّاسِ لَهُمْ، وَمِنَ الْعَجِيبِ أَنَّهُ لَا يَزَالُ فِي هَذَا الْعَصْرِ مَنْ يَتَوَسَّلُ إِلَى الِاسْتِعَانَةِ بِالْجِنِّ عَلَى بَعْضِ الْأَعْمَالِ السِّحْرِيَّةِ بِمَا هُوَ كُفْرٌ قَطْعًا، كَرَابِطِ بَعْضِ الْقُرْآنِ عَلَى السَّوْأَتَيْنِ كَمَا عَلِمْتُ مِنْ بَعْضِ الْمُخْتَبِرِينَ لِهَؤُلَاءِ الدَّجَّالِينَ الَّذِينَ يَعِيشُونَ بِكِتَابَةِ الْعَزَائِمِ وَالْحُجُبِ لِلْحُبِّ وَالْبُغْضِ وَالْحَبَلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْمَفَاسِدُ فِي ذَلِكَ كَبِيرَةٌ جِدًّا، وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَهَا فِي تَفْسِيرِ: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} (7: 27).
عَوْدٌ إِلَى تَفْسِيرِ الْآيَاتِ:
لَمَّا أَظْهَرَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ آيَةَ اللهِ تَعَالَى فِي مَجْلِسِ فِرْعَوْنَ: قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَيْ: أَشْرَافُ قَوْمِهِ وَأَرْكَانُ الدَّوْلَةِ مِنْهُمْ: إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ أَيْ: رَاسِخٌ فِي الْعِلْمِ- كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ صِيغَةُ عَلِيمٍ: يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ أَيْ: قَدْ وَجَّهَ إِرَادَتَهُ لِسَلْبِ مُلْكِكُمْ مِنْكُمْ، وَإِخْرَاجِكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ بِأَنْ يَسْتَمِيلَ بِهِ الشَّعْبَ الْمِصْرِيَّ، فَيَتْبَعَهُ فَيَنْتَزِعَ مِنْكُمُ الْمُلْكَ، وَيَسْتَبِدَّ بِهِ دُونَكُمْ، وَيَلِي ذَلِكَ إِخْرَاجُ الْمَلِكِ وَعُظَمَاءِ رِجَالِهِ مِنَ الْبِلَادِ لِئَلَّا يُنَاوِئُوهُ لِاسْتِعَادَةِ الْمُلْكِ مِنْهُ، كَمَا فَعَلَ مُتَغَلِّبَةُ التُّرْكِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ بَعْدَ إِسْقَاطِ الدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ أَخْرَجُوا جَمِيعَ أَفْرَادِ الْأُسْرَةِ السُّلْطَانِيَّةِ مِنَ الْبِلَادِ التُّرْكِيَّةِ الَّتِي بَقِيَتْ لَهُمْ.
وَفِي مَعْنَى الْقَوْلِ مِنْ فِرْعَوْنَ وَرِجَالِ دَوْلَتِهِ مَا حَكَى اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ مِنْ مُرَاجَعَتِهِمْ لِمُوسَى وَأَخِيهِ فِي سُورَةِ يُونُسَ: {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ} (10: 78).
وَمَا قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ هَذَا الْقَوْلَ إِلَّا تَبَعًا لِقَوْلِهِ هُوَ، الَّذِي حَكَاهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ: {قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} (26: 34، 35) أَيْ: رَدَّدُوا قَوْلَهُ، وَصَارَ يُلْقِيهِ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، كَدَأْبِ النَّاسِ فِي نَقْلِ كَلَامِ مُلُوكِهِمْ وَرُؤَسَائِهِمْ وَتَرْدِيدِهِ إِظْهَارًا لِلْمُوَافَقَةِ عَلَيْهِ وَتَعْمِيمًا لِتَبْلِيغِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُصَرِّحُوا بِكَلِمَةِ {بِسِحْرِهِ} كَمَا صَرَّحَ هُوَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا دُونَهُ خَوْفًا وَانْزِعَاجًا، وَأَقَلَّ مِنْهُ حِرْصًا عَلَى الطَّعْنِ فِي دَعْوَةِ مُوسَى، وَلَكِنْ ذَكَرَهَا السَّحَرَةُ فِي تَنَاجِيهِمْ مَعَ فِرْعَوْنَ وَهُوَ أَجْدَرُ بِذِكْرِهَا فَحَكَاهَا اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ مِنْ سُورَةِ طَهَ: {فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى} (20: 62- 64).
وَالْأَمْرُ فِي قَوْلِ فِرْعَوْنَ لَهُمْ، وَقَوْلِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ: فَمَاذَا تَأْمُرُونَ لَيْسَ هُوَ الْمُقَابِلَ لِلنَّهْيِ، بَلْ هُوَ بِمَعْنَى الْإِدْلَاءِ بِالرَّأْيِ فِي الشُّورَى، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْأَسَاسِ: وَتَآمَرَ الْقَوْمُ وَائْتَمَرُوا، مِثْلَ تَشَاوَرُوا وَاشْتَوَرُوا. وَمُرْنِي بِمَعْنَى أَشِرْ عَلَيَّ. قَالَ بَعْضُ فُتَّاكِهِمْ: أَلَمْ تَرَ أَنِّي لَا أَقُولُ لِصَاحِبٍ إِذَا قَالَ مُرْنِي- أَنْتَ مَا شِئْتَ فَافْعَلِ وَلَكَنَّنِي أَفْرِي لَهُ فَأُرِيحُهُ بِبَزْلَاءَ تُنْجِيهِ مِنَ الشَّكِّ فَيْصَلِ وَقَالَ فِي مَادَّةِ ب ز ل وَمِنَ الْمَجَازِ: بَزَلَ الْأَمْرَ وَالرَّأْيَ: اسْتَحْكَمَ، وَأَمْرٌ بَازِلٌ، وَتَقُولُ: خَطْبٌ بَازِلٌ، لَا يَكْفِيهِ إِلَّا رَأْيٌ قَارِحٌ، وَإِنَّهُ لَذُو بَزْلَاءَ؛ أَيْ: ذُو صُرَيْمَةٍ مُحْكَمَةٍ، وَهُوَ نَهَّاضٌ بِبَزْلَاءَ؛ أَيْ: بِخُطَّةٍ عَظِيمَةٍ قَالَ:
إِنِّي إِذَا شَغَلَتْ قَوْمًا فُرُوجُهُمْ ** رَحْبُ الْمَسَالِكِ نِهَاضٌ بَبَزْلَاءَ

أَقُولُ: وَمَعْنَى بَيْتَيِ الْفَاتِكُ أَنَّ صَاحِبَهُ إِذَا اسْتَشَارَهُ فَقَالَ لَهُ: مُرْنِي- أَيْ أَشِرْ عَلَيَّ- لَا يَقُولُ لَهُ: افْعَلْ مَا تَشَاءُ إِعْرَاضًا عَنْ نُصْحِهِ أَوْ عَجْزًا مِنْهُ، بَلْ يَفْرِي؛ أَيْ: يَقْطَعُ لَهُ الرَّأْيَ الْمُحْكَمَ بِخُطَّةٍ بَزْلَاءَ؛ أَيْ: قَوِيمَةٍ مُحْكَمَةٍ، تُخْرِجُهُ مِنَ الشَّكِّ وَالتَّرَدُّدِ، وَتَكُونُ فَيْصَلًا؛ أَيْ: فَاصِلَةً بَيْنَ الْخَطَأِ وَالصَّوَابِ، وَالْبَزْلَاءُ وَبُزُولُ الْأَمْرِ وَالرَّأْيِ مَأْخُوذٌ مِنْ بُزُولِ نَابِ الْبَعِيرِ، وَهُوَ أَنْ يَنْشَقَّ وَيَخْرُجَ عِنْدَ دُخُولِهِ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ فَهُوَ بَازِلٌ، وَلِذَلِكَ أَطْلَقُوا لَقَبَ الْبَازِلِ عَلَى الرَّجُلِ الْقَوِيِّ الْمُحْكَمِ التَّجْرِبَةِ.
{قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ} أَيْ: قَالَ الْمَلَأُ لِفِرْعَوْنَ حِينَ اسْتَشَارَهُمْ بِقَوْلِهِ: {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} أَرْجِهْ؛ أَيْ: أَرْجِئْ وَأَخِّرْ أَمْرَهُ وَأَمْرَ أَخِيهِ، وَلَا تَفْصِلْ فِيهِ بَادِيَ الرَّأْيِ، وَأَرْسِلْ فِي مَدَائِنِ مُلْكِكَ رِجَالًا أَوْ جَمَاعَاتٍ مِنَ الشُّرْطَةِ وَالْجُنْدِ حَاشِرِينَ؛ أَيْ: جَامِعِينَ سَائِقِينَ لِلسَّحَرَةِ مِنْهَا- فَالْحَشْرُ: الْجَمْعُ وَالسَّوْقُ- وَإِنَّمَا يُوجَدُ السَّحَرَةُ فِي الْمَدَائِنِ الْجَامِعَةِ الْآهِلَةِ بِدُورِ الْعِلْمِ وَالصِّنَاعَةِ، فَإِنْ تُرْسِلْهُمْ: يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ بِفُنُونِ السِّحْرِ مَاهِرٍ فِيهَا، وَهُمْ يَكْشِفُونَ لَكَ كُنْهَ مَا جَاءَ بِهِ مُوسَى فَلَا يَفْتَتِنُ بِهِ أَحَدٌ.
قَرَأَ الْجُمْهُورُ {سَاحِرٍ} بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ، وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ هُنَا، وَفِي يُونُسَ {سَحَّارٍ} بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ لَهُ، وَجَاءَ ذَلِكَ بِالْإِمَالَةِ وَعَدِمَهَا، وَبِهَا قَرَأَ الْجَمِيعُ فِي الشُّعَرَاءِ، وَرَسْمُهَا فِي الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ وَاحِدٌ هَكَذَا {سحر} لِيَحْتَمِلَ الْقِرَاءَتَيْنِ، وَوَجْهُهُمَا أَنَّ فِرْعَوْنَ لَمَّا طَلَبَ كُلَّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ فِي مَدَائِنِ الْبِلَادِ خَصَّ بِالذِّكْرِ الْمَهَرَةَ الْمُتَمَرِّنِينَ فِي السِّحْرِ الْمُكْثِرِينَ مِنْهُ- أَوْ أَنَّ بَعْضَ مَلَئِهِ طَلَبَ هَؤُلَاءِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُمْ أَجْدَرُ بِإِتْيَانِ مُوسَى بِمِثْلِ مَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْأَمْرِ الْعَظِيمِ، كَمَا حَكَى اللهُ تَعَالَى عَنْ فِرْعَوْنَ فِي سُورَةِ طَهَ: {قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ} (20: 57، 58) وَطَلَبَ آخَرُونَ حَشْرَ جَمِيعِ السَّحَرَةِ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ لَعَلَّهُ يُوجَدُ عِنْدَ بَعْضِ الْمُقْتَصِدِينَ أَوِ الْمُقِلِّينَ مِنَ السِّحْرِ مَا لَا يُوجَدُ عِنْدَ الْمُكْثِرِينَ مِنْهُ- فَبَيَّنَتِ الْقِرَاءَتَانِ كُلَّ مَا قِيلَ مَعَ الْإِيجَازِ الْبَلِيغِ.
وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ. وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ أَيْ: وَجَاءَ فِرْعَوْنَ السَّحَرَةُ الَّذِينَ حَشَرَهُمْ لَهُ أَعْوَانُهُ وَشُرْطَتُهُ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْكِتَابُ الْحَكِيمُ وَلَا الرَّسُولُ الْمَعْصُومُ عَدَدَهُمْ؛ إِذْ لَا فَائِدَةَ مِنْهُ، وَكُلُّ مَا رُوِيَ فِيهِمْ مِنْ أَنَّهُمْ عَشَرَاتُ الْأُلُوفِ فَهُوَ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ الَّتِي لَا أَصْلَ لَهَا عِنْدَنَا، وَلَا فِي التَّوْرَاةِ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، فَلَمَّا جَاءُوا قَالُوا لِفِرْعَوْنَ إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا عَظِيمًا يُكَافِئُ مَا يُطْلَبُ مِنَّا مِنَ الْعَمَلِ الْعَظِيمِ إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ لِمُوسَى، ذُكِرَ قَوْلُهُمْ هُنَا بِأُسْلُوبِ الِاسْتِئْنَافِ الْبَيَانِيِّ كَأَنَّهُ جَوَابُ سَائِلٍ مَاذَا قَالُوا؟ وَجَاءَ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ: {فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ} (26: 41) وَهُوَ تَفَنُّنٌ فِي الْعِبَارَةِ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَحَفْصٌ، عَنْ عَاصِمٍ إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ، قِيلَ: إِنَّهُ عَلَى الْإِخْبَارِ الدَّالِّ عَلَى إِيجَابِ الْأَجْرِ، وَكَوْنِهِ لابد مِنْهُ، وَقِيلَ: إِنَّهُ عَلَى حَذْفِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ الَّذِي يَكْثُرُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ وَالْمُخْتَارُ لِيُوَافِقَ قِرَاءَةَ ابْنِ عَامِرٍ بِإِثْبَاتِهَا هُنَا وَهُوَ مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ.
{قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} أَيْ: قَالَ فِرْعَوْنُ مُجِيبًا لَهُمْ إِلَى مَا طَلَبُوا: نَعَمْ؛ إِنَّ لَكُمْ لَأَجْرًا عَظِيمًا وَإِنَّكُمْ مَعَ ذَلِكَ الْأَجْرِ الْمَالِيِّ وَالْمَادِّيِّ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ مِنْ جَانِبِنَا السَّامِي، فَيَجْتَمِعُ لَكُمُ الْمَالُ وَالْجَاهُ، وَذَلِكَ مُنْتَهَى الدُّنْيَا وَمَجْدِهَا، أَكَّدَ لَهُمْ نَيْلَ مَا طَلَبُوهُ مِنْهُ، وَمَا زَادَهُمْ عَلَيْهِ تَأْكِيدًا بَعْدَ تَأْكِيدٍ؛ لِاهْتِمَامِهِ بِهَذَا الْأَمْرِ، وَخَوْفِهِمْ مِنْ عَاقِبَتِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُمْ: نَعَمْ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا؛ لَأَفَادَ إِجَابَةَ طَلَبِهِمْ، وَلَوْ قَالَ فِي مِنْحَةِ الْقُرْبَى: وَتَكُونُونَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ، لَكَفَى، وَلَكِنَّهُ عَبَّرَ عَنْهَا بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ بِـ {إِنَّ} وَبِتَحْلِيَةِ الْخَبَرِ بِاللَّامِ، وَبِعَطْفِ التَّلْقِينِ؛ أَيْ عَطْفِ: {وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} عَلَى الْجُمْلَةِ الْمُقَدَّرَةِ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا حَرْفُ الْإِيجَابِ {نَعَمْ} وَهِيَ إِنَّ لَكُمْ لَأَجْرًا الْحَالَةُ وَهِيَ كَوْنُكُمْ أَنْتُمُ الْغَالِبِينَ دُونَ مُوسَى {لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} (26: 42) وَحَذْفُهَا مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ قَالَهَا مَرَّةً دُونَ أُخْرَى فَأَفَادَ أَنَّهُ كَرَّرَ لَهُمُ الْإِجَابَةَ وَالْوَعْدَ وَذَلِكَ تَأْكِيدٌ آخَرُ.
{قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ} اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ كَنَظَائِرِهِ؛ أَيْ: قَالَ الْسَّحَرَةُ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ أَنْ وَعَدَهُمْ فِرْعَوْنُ مَا وَعَدَهُمْ: إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ مَا عِنْدَكَ أَوَّلًا، وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ لِمَا عِنْدَنَا مِنْ دُونِكَ، أَمَّا تَخْيِيرُهُمْ إِيَّاهُ فَلِثِقَتِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ، وَاعْتِدَادِهِمْ بِسِحْرِهِمْ، وَإِرْهَابًا لَهُ، وَإِظْهَارًا لِعَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِهِ، مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْمُتَأَخِّرَ يَكُونُ أَبْصَرَ بِمَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ بَعْدَ وُقُوفِهِ عَلَى مُنْتَهَى شَوْطِ خَصْمِهِ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ عِلَّةَ التَّخْيِيرِ مُرَاعَاةُ الْأَدَبِ لَا وَجْهَ لَهُ أَلْبَتَّةَ، بَلْ مَقَامُهُمْ بِحَضْرَةِ مَلِكِهِمُ الَّذِي يَدَّعِي الْأُلُوهِيَّةَ وَالرُّبُوبِيَّةَ فِيهِمْ، وَمَا طَلَبُوهُ مِنْهُ، وَمَا وَعَدَهُمْ إِيَّاهُ- كُلُّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَحْتَقِرُوا خَصْمَهُ لَا أَنْ يَتَأَدَّبُوا مَعَهُ كَمَا يَتَأَدَّبُ أَهْلُ الصِّنَاعَةِ الْوَاحِدَةِ بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ إِذَا تَلَاقَوْا لِلْمُبَارَاةِ، وَهُوَ مَا وَجَّهَ الزَّمَخْشَرِيُّ بِهِ التَّعْلِيلَ، وَمَا قَالَهُ الْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ عِلَّتَهُ إِظْهَارُ التَّجَلُّدِ فَضَعِيفٌ، إِذْ لَمْ يَرَوْا مِنْ مُوسَى شَيْئًا بِأَعْيُنِهِمْ يَقْتَضِيهِ، وَإِنَّمَا سَمِعُوا أَنَّهُ أَلْقَى عَصَاهُ بِحَضْرَةِ فِرْعَوْنَ فَصَارَتْ ثُعْبَانًا فَاسْتَعَدُّوا لِمُقَابَلَتِهِ بِعِصِيٍّ وَحِبَالٍ كَثِيرَةٍ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ وَإِلَى كُلِّ نَاظِرٍ أَنَّهَا ثَعَابِينُ تَسْعَى فَيُبْطِلُونَ سِحْرَهُ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ كَمَا قَالَ مَلِكُهُمْ: {فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ} (20: 58).
وَذَهَبَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ إِلَى أَنَّ هَذَا التَّغْيِيرَ عَنْ إِلْقَائِهِمْ يَدُلُّ عَلَى رَغْبَتِهِمْ فِي الْبَدْءِ بِمَا يُنْبِئُ عَنْهُ تَغْيِيرُهُمْ لِلنَّظْمِ بِتَعْرِيفِ الْخَبَرِ وَتَوْسِيطِ ضَمِيرِ الْفَصْلِ {نَحْنُ} وَتَوْكِيدِ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ بِهِ، وَفِي سُورَةِ طَهَ: {إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى} (20: 65) وَفِيهِ مِنَ التَّوْكِيدِ مَا يَدُلُّ عَلَى الرَّغْبَةِ فِي الْأَوَّلِيَّةِ الَّتِي صَرَّحُوا بِذِكْرِهَا هُنَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ التَّعْبِيرَيْنِ فِي الْمَعْنَى، فَلَا بَأْسَ حِينَئِذٍ بِجَعْلِ الِاخْتِلَافِ اللَّفْظِيِّ فِي الْحِكَايَةِ عَنْهُمْ لِمُرَاعَاةِ الْفَوَاصِلِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ عَلَى أَقْوَالٍ ثَالِثُهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ: أَنَّهُ جَائِزٌ وَوَاقِعٌ فِيمَا لَا يَخِلُّ بِأَدَاءِ الْمَعْنَى، وَلَا يُنَافِي الْبَلَاغَةَ الْعُلْيَا، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ مَزِيدَ تَفَنُّنٍ قَدْ يَصِلُ إِلَى حَدِّ الْإِعْجَازِ فِيهَا، وَذَلِكَ أَنَّ تَأْدِيَةَ دَقَائِقِ الْمَعْنَى مُكَرَّرَةٌ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي مُنْتَهَى الْعُسْرِ، وَكَثِيرًا مَا يَكُونُ مُتَعَذِّرًا، فَلَوْ لَمْ يُؤَكَّدِ الضَّمِيرُ الْمُتَّصِلُ هَاهُنَا بِالضَّمِيرِ الْمُنْفَصِلِ {نَحْنُ} لَمَا أَفَادَ مَعْنَى الرَّغْبَةِ فِي أَوَّلِيَّةِ الْإِلْقَاءِ الْمُصَرَّحِ بِهِ فِي سُورَةِ طَهَ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ مُرَاعَاةَ الْفَاصِلَتَيْنِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ هُوَ الَّذِي وَحَّدَ بَيْنَهُمَا بِجَعْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا دَالًّا عَلَى رَغْبَةِ السَّحَرَةِ فِي التَّقَدُّمِ وَالْأَوَّلِيَّةِ، فَأَيُّ خَطِيبٍ أَوْ كَاتِبٍ يَقْدِرُ عَلَى إِفَادَةِ هَذَا الْمَعْنَى بِأُسْلُوبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي اللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِهِ، وَأَيُّ مُتَرْجِمٍ تُرْكِيٍّ أَوْ إِفْرِنْجِيٍّ يَفْقَهُ هَذَا وَيُؤَدِّيهِ فِي تَرْجَمَتِهِ لِلْقُرْآنِ؟
{قَالَ أَلْقُوا} وَفِي سُورَةِ طَهَ: {قَالَ بَلْ أَلْقُوا} (20: 66) وَهُوَ أَدَلُّ عَلَى رَغْبَتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي سَبْقِهِمْ لِلْإِلْقَاءِ، وَلَعَلَّهُ نَطَقَ أَوَّلًا بِمَا فِيهِ الْإِضْرَابُ فَقَالَ: بَلْ أَلْقُوا أَنْتُمْ مِنْ دُونِي ثُمَّ أَعَادَ كَلِمَةً {أَلْقُوا} وَحْدَهَا؛ لِتَأْكِيدِ رَغْبَتِهِ، وَالْإِيذَانِ بِعَدَمِ مُبَالَاتِهِ، وَفِي سُورَتَيْ يُونُسَ وَالشُّعَرَاءِ: قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ، فَأَظْهَرَ اسْمَ مُوسَى الَّذِي أَضْمَرَهُ هُنَا، وَفِي سُورَةِ طَهَ؛ لِأَنَّهُ جَوَابٌ لِخِطَابِهِمْ إِيَّاهُ بِاسْمِهِ بِالتَّخْيِيرِ، فَالْمَقَامُ فِيهَا مَقَامُ الْإِضْمَارِ حَتْمًا، وَأَمَّا إِظْهَارُهُ فِي سُورَتَيْ يُونُسَ وَالشُّعَرَاءِ فَسَبَبُهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمَا ذِكْرٌ لِنِدَاءِ السَّحَرَةِ إِيَّاهُ وَتَخْيِيرِهِمْ لَهُ، فَأَوَّلُ آيَةِ يُونُسَ: {فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا} (10: 80) وَقَبْلَهَا طَلَبُ فِرْعَوْنَ لِلسَّحَرَةِ، وَمَجِيئُهُمْ وَسُؤَالُهُمْ إِيَّاهُ الْأَجْرَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ، وَإِجَابَتُهُ إِيَّاهُمْ، فَهِيَ أَوْلَى مِنْ آيَةِ يُونُسَ بِمَا ذَكَرَ، وَأَمَّا زِيَادَةُ مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ فَإِنَّهَا فَائِدَةٌ نَافِلَةٌ ذَاتُ شَأْنٍ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ مُبَالَاتِهِ بِمَا يُلْقُونَ مَهْمَا عَظُمَ أَمْرُهُ وَكَانَ مَجْهُولًا عِنْدَهُ، وَهِيَ لَا تُنَافِي عَدَمَ ذِكْرِهَا فِي آيَةِ الْأَعْرَافِ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا.
وَقَدْ قِيلَ: كَيْفَ أَمَرَهُمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِإِلْقَاءِ مَا عِنْدَهُمْ وَهُوَ مِنَ السِّحْرِ الْمُنْكَرِ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِفِعْلِ السِّحْرِ ابْتِدَاءً، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِأَنْ يَتَقَدَّمُوهُ فِيمَا جَاءُوا لِأَجْلِهِ وَلابد لَهُمْ مِنْهُ، وَأَرَادَ التَّوَسُّلَ بِهِ إِلَى إِظْهَارِ بُطْلَانِ السِّحْرِ لَا إِثْبَاتِهِ، وَإِلَى بِنَاءِ ثُبُوتِ الْحَقِّ عَلَى بُطْلَانِهِ، وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ وَسِيلَةٌ لِإِبْطَالِهِ إِلَّا ذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِيمَا حَكَاهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي سُورَةِ يُونُسَ: {قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} (10: 81، 82) وَمِثْلُهُ تَوَسُّلُ إِبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى نَبِيِّنَا وَآلِهِمَا إِلَى إِظْهَارِ حَقِيقَةِ التَّوْحِيدِ لِعَبَدَةِ الْكَوَاكِبِ مِنْ قَوْمِهِ لَمَّا رَأَى كُلًّا مِنَ الْكَوْكَبِ وَالْقَمَرِ وَالشَّمْسِ بَازِغًا {قَالَ هَذَا رَبِّي} (6: 77) ثُمَّ تَعَقَّبَهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ رَبًّا، وَإِسْمَاعُهُ إِيَّاهُمْ بَعْدَ إِبْطَالِ رُبُوبِيَّتِهَا، كُلُّهَا حَقِيقَةُ التَّوْحِيدِ بِقَوْلِهِ: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (6: 79).